في شهادة هذا السجين السابق والمعروف منذ سنوات عديدة بإسم "خمسة وأربعين", مثال رائع عن قدرة الله وقوة كلمة الرب أن تغير قلب ألإنسان وتزرع فيه روح المغفرة. ربما يوجد عدد قليل من الناس يستطيعون أن يغفروا ما سبًبًه من عذاب وألم رجلٌ آخر لصاحب الشهادة رقم خمسة وأربعين. ألرب يسوع قال: وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضا زلاتكم.
في سن السادسة عشرة غادرخمسة وأربعون منزله في ولاية رود آيلند وجاء إلى مدينة تاكوما في ولاية واشنطن. وصل المدينة في الوقت والساعة حيث حصلت جريمة قتل. تمً القبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة وعشرين عاما في ألأشغال الشاقة. لمدة ثمانية عشرة عاما من ذلك الوقت, عانى كل أنواع العقاب والتعذيب التي تمً تعريضها لمجرم بائس. ولأنه تكلم مع أحد السجناء عندما كانوا يسيرون في الخط, وُضع في زنزانة عشرين قدما تحت الارض. في اليوم الثالث الذي كان هناك وكان معلقا بالرسغين, صلًى إلى الله.
كانت هناك بارقة أمل وحيدة ومضيئة في حياته وهي صداقته مع إبنة السجان الصغيرة. أراد سجين آخرأن ينتقم من السجان بالإعتداء على هذه الإبنة الصغيرة "وخمسة وأربعون" أنقذ حياتها. من ذلك الحين أصبحت تكن له مودًة حميمة.
هناك في هذا السجن طلب من الله وقال: "يا رب إذا سمحت لي أن أرى هذه الفتاة مرة أخرى, سأخدمك وأقرأ الكتاب المقدس للسجناء بقية حياتي". في نفس تلك الليلة جاءه السجان بالخبز والماء وكانت تلك الفتاة الصغيرة معه. نادته وقالت لقد جئت من أجلك وقد قال لي والدي أنك ستعمل في المستشفى. وهذا ما حصل. عمل لمدة ثلاث سنوات في المستشفى وحافظ على وعده بقراءة الكتاب المقدس للسجناء.
في نهاية الثلاث سنوات خرج من السجن محطما جسديا وعقليا, بلا مأوى, بلا أصدقاء وبلا إسم. إستقل القطار وجاء إلى بورتلاند, أوريغون. لمدة أربعة أيام جال يبحث عن أي عمل, جائعا بدون طعام ولا مكان لينام سوى أكوام الخشب. أخيرا سار إلى جسر (بارنصيد) ليلقي بنفسه في النهر. أوقفه حارس الجسر وقال له "لا يمكنك أن تفعل ذلك." وبينما كان يبتعد عن الجسر, رأى علامة كبيرة مضاءة كتب عليها: "كنيسة ألإيمان الرسولي". شعر بقوة تدفعه لحضور خدمة المساء. في نهاية الخدمة توجًه ألى المذبح, ركع وصلى والرب خلص حياته.
بعد حوالي عامين عندما كان يشهد خلال خدمة العبادة في الكنيسة عن حياته وخلاصه, كان هناك رجل يسمع والدموع تتساقط على خديه. لم يستطع أن يتمالك نفسه فترك الكنيسة قبل نهاية الخدمة. وبعد بضعة أيام التقى خمسة وأربعون أحد ألإخوة الذي أخبره أن هذا الغريب يعرف شيئا ما عنه. وبدوره أصبح متلهفا لمعرفة هذا الرجل الغريب. حصل على وصف للرجل ووجد أنه سافر الى سان فرنسيسكو في كاليفورنيا. خمسة وأربعين لحق به وعلم أنه في المستشفى على فراش الموت من مرض السل. أراد أن يتكلم معه فذهب إلى المدير العام للمستشفى وطلب منه أن يعطيه عملا ما. عندما سُئل عن المكان الذي عمل فيه سابقا, أخبر قصته وهو يصلي في قلبه. بكى هذا المدير العام وهويسمع هذه القصة الغريبة وقال له أن يبدأ العمل تلك الليلة.
مرت بضعة أيام قبل أن أتيحت له الفرصة للتحدث مع الغريب. وفي ليلة من الليالي طلب منه هذا الرجل أن يقرأ له الكتاب المقدس. "خمسة وأربعون" قرأ له قصة ألإبن الضال. وبينما كان يقرأ طوًقَ الغريب بذراعه عنق المحكوم السابق وقال له: "هل يمكنك أن تغفر لي الخطأ الذي فعلته والعذاب الذي سببته لك؟" أجاب المدان السابق: "أنت لم تفعل أي خطأ لي, هل يمكنك أن تخبرني عن أمي؟".
أجاب الرجل, إنني لا أعرف شيئا عن شعبك لكنني أنا هو الرجل الذي إرتكب الجريمة التي من أجلها أرسلتَ أنت الى السجن. والآن أريدك أن تسامحني عن طوال تلك السنوات التي قضيتها خلف جدران هذا السجن.
هنا كان القاتل الحقيقي الذي قضى "خمسة وأربعون" عشرين عاما في السجن من أجله, يطلب منه أن يغفر له ويسامحه. بدأت أفكاره تعود إلى السنوات الطويلة التي قضاها في السجن. فكًرَ بالسلاسل التي كان يحملها وفي الثلاثين جلدة التي تلقاها, في الوقت الذي أصيب فيه في ساقه وألأسابيع التي قضاها في الزنزانة. شعر أنه غير مستعد ليغفر من كل قلبه. ترك المريض وذهب إلى غرفة صغيرة حيث ركع وصلى لمدة طويلة. صارع مع الله طالبا منه أن يعطيه روحا حقيقية يستطيع بها أن يغفر ويسامح. في النهاية سمع صوتا يقول: أغفر له من أجلي.
عاد إلى الغرفة وقال: إنني أغفر لك وأسامحك, لكن عليك أيضا أن تسأل الله أن يغفر لك. كانت يدي هذا المجرم ملطخة بالدم, لكن الله سامحه وغفر له خطيته وخمسة وأربعين الذي قضى السنوات الطويلة في العذاب وألألم غفر له من كل قلبه.
مرت سنوات عديدة منذ ذلك الحين "وخمسة وأربعون" أيضا ذهب ليكون مع الرب في ألأبدية ومع إسم جديد. لم يعد مجرد رقم. إنه يسير على شوارع الذهب هناك ومع الرجل الذي من أجله عانى تلك السنوات الطويلة, يسبحان الله الذي غسل ذنوبهما بدم الحمل.
الرب يسوع الذي علمنا أن نصلي: "أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا", يمنح كل إنسان هذه النعمة العظيمة, نعمة الغفران.